الكندي هو أحد العقول الاستثنائية التي أنجبتها الحضارة الإسلامية في العصر العباسي، لقب بـ”فيلسوف العرب الأول”، وامتاز بقدرته الفائقة على الجمع بين الفلسفة والعلوم التطبيقية، حتى صار واحدًا من أوائل المترجمين والمفكرين الذين مزجوا بين الفكر اليوناني والإسلامي.
المقدمة
الكندي هو من أقطاب الفكر في القرن التاسع للميلاد، وقد اشتهر في عصره بالتبحر في فنون الحكمة اليونانية والفارسية والهندية، وكان له أثر بعيد في تطور الثقافة، وقد اشتهر فيلسوف العرب لأنه كان من أبناء قبيلة (كندة) العربية احدى القبائل العريقة في التاريخ، برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق الذي كان يعرف بعلم الكلام، اشتهر بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلنستية، ولذلك سأقوم بعمل ملف شامل عن سيرته، إنجازاته، وأفكاره الفلسفية.
من هو الكندي
- الاسم: أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي
- يُعرف بلقب: فيلسوف العرب.
- تاريخ الميلاد: سنة 185 هـ / 805 م في مدينة الكوفة.
- تاريخ الوفاة: سنة 256 هـ / 873 م.
- الانتماء: عربي من قبيلة كندة اليمنية.
- المهنة: فيلسوف، طبيب، عالم رياضيات، منجّم، لغوي، ومترجم.
نبذة عن حياة الكندي
نشأة الكندي
- ولد في الكوفة ونشأ في بيت من بيوت شيوخ قبيلة كندة.
- كان والده واليًا على الكوفة، مما وفّر له بيئة مناسبة للتعلّم.
- تلقى تعليمه الأولي في الكوفة، وتعلم أساسيات اللغة والدين.
تعليمه في الصغر وتوجهه للفلسفة
- في صغره، تعلّم: (القراءة والكتابة-النحو-القرآن الكريم-الأحاديث النبوية-الفقه وأصوله-الشعر العربي).
- بعد إلمامه بالعلوم الدينية، مال إلى الفلسفة وقرر تعلّمها على يد علماء بغداد.
- اعتمد في تعلّمه على الترجمات العربية للنصوص اليونانية.
- لم يكتف بالدراسة، بل شارك في (نقل الكتب-تلخيصها-شرحها-وضع تفسيرات فلسفية لها).
- استطاع دراسة كتب أرسطو في: (الفلسفة-المنطق-الطبيعة-السياسة-ما بعد الطبيعة).
رحلة الكندي من بغداد ورعاية الخلفاء
- انتقل إلى بغداد، مركز العلم في العصر العباسي.
- حظي برعاية الخليفتين المأمون والمعتصم، الذين دعموا العلوم والفلاسفة.
- عيّنه الخليفة المأمون مشرفًا على بيت الحكمة، الذي تأسس لترجمة النصوص الفلسفية والعلمية من اليونانية.
- عُرف بجمال خطه، حتى أن الخليفة المتوكل جعله خطاطه الخاص.
فترة التعلم والانفتاح المعرفي
- عاش فترة من حياته في البصرة قبل استقراره في بغداد.
- جاء انتقاله إلى بغداد في فترة تُعرف بـ “الإنارة العربية”، حين ازدهرت العلوم.
- كان الجو الفكري العام مشحونًا بالتوتر العقائدي، خصوصًا مع قضية خلق القرآن، وسيطرة مذهب الاعتزال، وذيوع التشيع.
- عاش في القرن الثالث الهجري، وهو زمن غني بالمعارف بفضل حركة الترجمة والنقل.
التخصص في الفلسفة والعلوم القديمة
- انكب على دراسة الفلسفة والعلوم القديمة حتى أصبح من أبرز من أتقنها.
- أوكل إليه المأمون مهمة ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية في بيت الحكمة.
- اعتبره ابن أبي أصبعه من حذّاق الترجمة المسلمين، إلى جانب: (حنين بن إسحق-ثابت بن قرة-ابن الفرخان الطبري).
تأثير العلوم القديمة على فكره
- كان لاطلاعه العميق على ما يُعرف بـ “العلوم القديمة” تأثير كبير في تطوير أفكاره.
- هذا الاطلاع مكنه من كتابة أطروحات أصلية في مجالات: (الأخلاق-ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)-الرياضيات-الصيدلة).
لغاته ومعارفه وأهم إنجازاته العلمية
- اعتمد في دراسته على لغتين أساسيتين:(اليونانية-السريانية).
- كان من أوائل العرب الذين اهتموا بـ علوم اليونان والسريان.
- كانت علوم مثل الطب، الهندسة، الحساب، والفلسفة محتكرة لدى السريان.
- استطاع أن يتعلم الطب وأن يتفوق فيه وأن يبتكر أساليب علاجية جديدة.
تعرف علي مؤسس علم البصريات وأسرار حياته
إسهامات الكندي
-
إسهامات الكندي في علم الفلك
- اتبع نظرية بطليموس حول النظام الشمسي، والتي تقول بأن الأرض هي المركز لسلسلة من المجالات متحدة المركز، التي تدور فيها الكواكب المعروفة حينها القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري والنجوم، وقال عنها أنها كيانات عقلانية تدور في حركة دائرية، ويقتصر دورها على طاعة الله وعبادته.
- ساق إثباتات تجاربه حول تلك الفرضية، قائلاً بأنه اختلاف الفصول ينتج عن اختلاف وضعيات الكواكب والنجوم وأبرزها الشمس؛ وأن أحوال الناس تختلف وفقا لترتيب الأجرام السماوية فوق بلدانهم. إلا أن كلامه هذا كان غامضا فيما يتعلق بتأثير الأجرام السماوية على العالم المادي.
- افترض في إحدى نظرياته المبنية على أعمال أرسطو، الذي تصور أن حركة هذه الأجرام تسبب الاحتكاك في منطقة جنوب القمر، فتحرك العناصر الأساسية التراب والهواء والنار والماء، والتي تتجمع لتكوين كل ما في العالم المادي.
- قدم أطروحته “عن الأشعة”، هو أن الكواكب تتحرك في خطوط مستقيمة. وفي كلا الفرضيتان، قدم فيلسوف العرب وجهتي نظر تختلفان اختلافًا جوهريًا عن طبيعة التفاعلات المادية، وهما التفاعل عن طريق الاتصال، والتفاعل عن بعد.
- شملت أعماله الفلكية البارزة، كتاب “الحكم على النجوم” وهو من أربعين فصلاً في صورة أسئلة وأجوبة، وأطروحات حول “أشعة النجوم” و”تغيرات الطقس” و”الكسوف” و”روحانيات الكواكب”.
-
إسهامات الكندي في الطب والكيمياء
- للكندي أكثر من 30 أطروحة في الطب، والتي تأثرت فيها بأفكار جالينوس.
- أهم أعماله في هذا المجال هو كتاب رسالة في قدر منفعة صناعة الطب، والذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب، ولا سيما في مجال الصيدلة على سبيل المثال، وضع فيلسوف العرب مقياس رياضي لتحديد فعالية الدواء، إضافة إلى نظام يعتمد على أطوار القمر، يسمح للطبيب بتحديد الأيام الحرجة لمرض المريض.
- عارض فيلسوف العرب أفكار الكيمياء، القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة، في رسالة سماها “كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة”.
- أسس الكندي وجابر بن حيان صناعة العطور، وأجرى أبحاثًا واسعة وتجارب في الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت.
-
إسهامات الكندي في البصريات
- اعتقد أرسطو لكي يرى الإنسان، يجب أن يكون هناك وسط شفاف بين العين والجسم، يملأه الضوء، إذا تحقق ذلك، تنتقل صورة الشيء للعين، اعتقد إقليدس أن الرؤية تحدث نتيجة خروج أشعة في خطوط مستقيمة من العين على كائن ما وتنعكس ثانية إلى العين.
- حدد الكندي أي من النظريتين أرجح، جرب الطريقتين، فعلى سبيل المثال، لم تكن نظرية أرسطو قادرة على تفسير تأثير زاوية الرؤية على رؤية الأشياء، فلو نظرنا للدائرة من الجانب، فستبدو كخط، ووفقا لأرسطو، كان يجب أن تبدو كدائرة كاملة للعين.
- من ناحية أخرى، كانت نظرية تحتوي على بعد حجمي، فكانت قادرة على تفسير تلك المسألة، فضلاً عن تفسيرها لطول الظلال والانعكاسات في المرايا، لأنه اعتمد على أن الأشعة لا تنتقل إلا في خطوط مستقيمة، لهذا السبب.
- رجح الكندي نظرية إقليدس، وتوصل إلى “أن كل شيء في العالم، تنبعث منه أشعة في كل اتجاه، وهي التي تملأ العالم كله” اعتمد ابن الهيثم وروجر بيكون وويتلو وغيرهم.
-
إسهامات الكندي في الرياضيات
- ألف الكندي أعمالاً في عدد من الموضوعات الرياضية الهامة، بما فيها الهندسة والحساب والأرقام الهندية وتوافق الأرقام والخطوط وضرب الأعداد والأعداد النسبية وحساب الوقت.
- كما كتب أربعة مجلدات، بعنوان “كتاب في استعمال الأعداد الهندية”، الذي ساهم بشكل كبير في نشر النظام الهندي للترقيم في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.
- في الهندسة، كتب الكندي عن مسلمة التوازي، وفي أحد أعماله الرياضية حاول إثبات بفكر الفيلسوف دحض فكرة خلود العالم، بإثبات أن اللانهاية فكرة سخيفة رياضيا ومنطقيًا.
-
إسهامات الكندي في التشفير
- الصفحة الأولى من مخطوطة الكندي “في فك رسائل التشفير”، التي تحتوي على أقدم وصف معروف حول تحليل الشفرات.
- الكندي رائدًا في تحليل الشفرات وعلم التعمية، كما كان له الفضل في تطوير طريقة يمكن بواسطتها تحليل الاختلافات في وتيرة حدوث الحروف واستغلالها لفك الشفرات، اكتشف ذلك في مخطوطة وجدت مؤخرًا في الأرشيف العثماني في إسطنبول، بعنوان “مخطوط في فك رسائل التشفير”، والتي أوضح فيها أساليب تحليل الشفرات، والتشفير والتحليل الإحصائي للرسائل باللغة العربية.
-
إسهامات الكندي في قواعد الموسيقى
- كان أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي والإسلامي.
- اقترح إضافة الوتر الخامس إلى العود.
- وضع سلما موسيقيا ما زال يستخدم في الموسيقى العربية من اثنتي عشرة نغمة.
- وتفوق على الموسيقيين اليونانيين في استخدام الثمن.
- أدرك أيضا على التأثير العلاجي للموسيقى، وحاول علاج صبي مشلول شللا رباعيا بالموسيقى.
- للكندي خمسة عشر أطروحات في نظرية الموسيقى، لم يبق منها سوى خمسة فقط، وهو أول من أدخل كلمة “موسيقى” للغة العربية، ومنها انتقلت إلى الفارسية والتركية، وعدة لغات أخرى في العالم الإسلامي.
-
إسهامات الكندي في الفلسفة
- كان جهده الأكبر في تطوير الفلسفة الإسلامية، هو محاولته لتقريب الفكر الفلسفي اليوناني، وجعله مقبولاً عند جمهور المسلمين، من خلال عمله في بيت الحكمة في بغداد، ومن خلال ترجمته للعديد من النصوص الفلسفية الهامة، أدخل فيلسوف العرب الكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية، قطعًا، لولا أعماله الفلسفية، لما تمكن الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا والغزالي من التوصل إلى ما توصلوا إليه.
- في كتاباته كان واحدًا من اهتماماته الرئيسية للتدليل على التوافق بين الفلسفة واللاهوت الطبيعي من جهة، وعلم الكلام من جهة أخرى على الرغم من ذلك، فقد قال فيلسوف العرب (أنه يعتقد أن الوحي هو مصدر المعرفة للعقل، لأن مسائل الإيمان المسلم بها لا يمكن استيعابها).
- كان نهجه الفلسفي بدائيًا، واعتبره المفكرين في وقت لاحق غير مقنع ربما لأنه كان الفيلسوف الأول الذي يكتب بالعربية، إلا أنه أدخل بنجاح الفكر الأرسطي والأفلاطوني المحدث إلى الفكر الفلسفي الإسلامي، فكان ذلك عاملاً مهمًا في إدخال تعميم الفلسفة اليونانية إلى الفكر الفلسفي الإسلامي.
- هو أول فيلسوف مسلم حقيقي، وقد تأثر إلى حد كبير بفكر فلاسفة المدرسة الأفلاطونية المحدثة أمثال بروكليوس وأفلوطين وجون فيلوبونوس، وإن كان قد تأثر ببعض أفكار المدارس الفلسفية الأخرى.
- استشهد فيلسوف العرب أيضا في كتاباته الفلسفية بأرسطو، لكنه حاول إعادة صياغتها في إطار الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، ويبدو ذلك أكثر وضوحا في آرائه حول ما وراء الطبيعة وطبيعة الله.
- كان متأثر بفكر المعتزلة، وذلك بسبب اهتمامه وإياهم بمسألة توحيد الله. ومع ذلك، أثبتت الدراسات الحديثة، أنها كانت مصادفة، فهو يختلف معهم حول عدد من موضوعات عقائدهم.
-
إسهامات الكندي في الطبيعة
- اعتقد الكندي أن هدف اهتمامات ما وراء الطبيعة من دراسة طبيعة الوجود وتفسير الظواهر الأساسية في الطبيعة ومستويات الوجود وأنواع الكيانات الموجودة في العالم والعلاقة بينها، هو معرفة الله. لهذا السبب، فرق الكندي بين الفلسفة والإلهيات، لأن كلاهما يناقش نفس الموضوع.
- عارضه الفلاسفة اللاحقين، وبخاصة الفارابي وابن سينا، بشدة بشأن هذه المسألة، قائلين بأن ما وراء الطبيعة تهتم بطبيعة الوجود، وبالتالي، فهي تتعرض لطبيعة الله.
- تركز فهم الكندي لما وراء الطبيعة حول الوحدانية المطلقة لله، التي اعتبرها سمة مفردة فقط لله، ومن هذا المنطلق، فإن كل شيء يوصف بأنه “واحد”، هو في الواقع “واحد” و”متعدد” في ذات الوقت. فعلى سبيل المثال، الجسم واحد، لكنه يتألف أيضًا من العديد من الأجزاء المختلفة. وقد يقول الشخص “أرى فيلاً”، وه يعني أنه يرى فيلاً واحدًا، لكن الفيل مصطلح يشير إلى نوع من أنواع الحيوانات التي تحتوي على عدد من هذا الحيوان، لذلك فالله وحده “الواحد” وحدانية مطلقة، لا تعددية فيها، دلّ ذلك على فهم عميق للغاية، وإنكار وصف الله بأي وصف يمكن أن يوصف به غيره.
تعرف على دور علماء العرب المسلمين في الفلك
نظريات الكندي
-
خلق الإنسان
- للكندي نظرية تقول بأن الله خلق العقل أولاً، ومن خلاله خلق الله جميع الأشياء الأخرى، وبغض النظر عن أهميتها الميتافيزيقية الواضحة، فهي تظهر تأثر الكندي بالواقعية الأفلاطونية.
- وفقا لأفلاطون، فكل شيء موجود في العالم المادي، يرتبط ببعض الأشكال المسلم بها في عالم السماء. هذه الأشكال هي في الحقيقة مفاهيم مجردة كالنوع أو الجودة أو العلاقة، التي تنطبق على جميع الأشياء المادية والكائنات. على سبيل المثال، التفاحة الحمراء تستمد جودة احمرارها من عالمها الخاص. وقد أكد الكندي أن البشر لا يمكنهم تصور تلك الأشياء إلا بمساعدة خارجية، وبعبارة أخرى، أن العقل لا يمكنه فهم الأشياء ببساطة عن طريق فحص واحدة من النوع أو أكثر من مثيلاتها، وأن الأشياء لا تدرك إلا عن طريق التأمل والإدراك بالعقل أولاً.
- استخدم الكندي مثالاً لشرح نظريته بالقياس، فقال إن الخشب في الأساس ساخن في حالة كُمون، ولكنه يتطلب شيئا آخر ساخن فعليًا كالنار، ليظهر ذلك. وبمجرد أن يفهم العقل البشري طبيعة الأشياء، تصبح جزءً من “العقل المكتسب” للفرد، ويتوصل لتلك النتائج متى شاء.
-
الروح والحياة الآخرة
- رأى الكندي أن الروح هي شيء غير مادي، يرتبط بالعالم المادي عن طريق تواجدها في الجسد المادي. لشرح طبيعة وجودنا الدنيوي، أخذ الكندي بفكرة أبكتاتوس، الذي وصف الوجود البشري بسفينة في رحلة عبر المحيط، راسية مؤقتًا على جزيرة، وسمحت لركابها بالنزول، وأن الركاب الذين بقوا لفترة طويلة على الجزيرة، قد تتركهم السفينة عندما تبحر مجددً.
- فسر الكندي المثال بمفهوم رواقي، أننا لا يجب أن نرتبط بالأشياء المادية (التي تمثلها الجزيرة)، التي ستزول عنا (عند رحيل السفينة)، ثم ربط ذلك بفكرة أفلاطونية محدثة، عندما قال أن أرواحنا يمكن أن نتركها تنساق لتحقيق رغباتنا أو نتحكم بها بعقلانية، فالأولى تنتهي بموت الجسم، أما الأخيرة فتحرر الروح من الجسد لتخلد “في نور الله” في عالم من النعيم الأبدي.
-
العلاقة بين الوحي والفلسفة
رأى الكندي أن النبوة والفلسفة طريقتان مختلفتان للوصول إلى الحقيقة، وقد فرق بينهما في أربعة أوجه:
إقرأ أيضا:بهاء الدين العاملي : سيرة ذاتية لعالم وفقيه وأديب- أولا في الوقت الذي يتوجب على الشخص أن يخضع لفترة طويلة من التدريب والدراسة ليصبح فيلسوف، فإن النبوة يسبغها الله على أحد البشر.
- ثانيا أن الفيلسوف يصل إلى الحقيقة بتفكيره وبصعوبة بالغة، بينما النبي يهديه الله إلى الحقيقة.
- ثالثا فهم النبي للحقيقة أوضح وأشمل من فهم الفيلسوف.
- رابعا قدرة النبي على شرح الحقيقة للناس العاديين، أفضل من قدرة الفيلسوف.
لذا استخلص الكندي أن النبي يتفوق على الفيلسوف في أمرين السهولة والدقة التي يتوصل بها للحقيقة، والطريقة التي كان يقدم بها الحقيقة للعوام، ومع ذلك، فكلاهما يسعى لهدف واحد، لذا، يرى الباحثون الغربيون، أن الكندي وضع فوارق بسيطة بين النبوة والفلسفة.
إضافة إلى ذلك، نظر الكندي للرؤى النبوية من وجهة نظر واقعية، فقال إن هناك بعض النفوس “النقية” المعدة إعدادًا جيدًا، قادرة على رؤية أحداث المستقبل.
لم يربط الكندي تلك الرؤى أو الأحلام بوحي من الله، لكن بدلاً من ذلك قال إن التخيل يجعل الإنسان قادرًا على إدراك “هيئة” الأشياء دون الحاجة إلى لمس الكيان المادي لتلك الأشياء. لذلك، فإن أي شخص نقي النفس سيكون قادرًا على رؤية مثل تلك الرؤى.
هذه الفكرة على وجه التحديد، من بين كل التفسيرات الأخرى للمعجزات النبوية التي هاجمها الغزالي في كتابه “تهافت الفلاسفة”.
مؤلفات الكندي
- كتب الكندي على الأقل مئتان وستين كتابا، منها اثنان وثلاثون في الهندسة، واثنان وعشرون في كل من الفلسفة والطب، وتسع كتب في المنطق واثنا عشر كتابًا في الفيزياء، بينما عد ابن أبي أصبعية كتبه بمائتين وثمانين كتابا.
- كان للكندي تأثيرا في مجالات الفيزياء والرياضيات والطب والفلسفة والموسيقى استمر لعدة قرون، عن طريق الترجمات اللاتينية التي ترجمها جيرارد الكريموني، وبعض المخطوطات العربية الأخرى، أهمها الأربع وعشرون مخطوطة من أعماله المحفوظة في مكتبة تركية منذ منتصف القرن العشرين.
- تناولت مواضيع مختلفة منها الفلسفة والمنطق والحساب والهندسة والفلك والطب والكيمياء والفيزياء وعلم النفس والأخلاقيات وتصنيف المعادن والجواهر.
من مؤلفاته في الفلسفة
- الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد.
- كتاب الحث على تعلم الفلسفة.
- رسالة في أن لا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات.
من مؤلفاته في المنطق
- رسالة في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيه.
- رسالة في الاحتراس من حد السفسطائيين.
من مؤلفاته في علم النفس
- رسالة في علة النوم والرؤيا وما ترمز به النفس.
مؤلفاته في الموسيقى
- رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى.
- رسالة في الإيقاع.
مؤلفاته في الفلك
- رسالة في علل الأوضاع النجومية.
- رسالة في علل أحداث الجو.
- رسالة في ظاهريات الفلك.
- رسالة في صنعة الاسطرلاب.
مؤلفاته في الحساب
- رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقى: خمسة مقالات.
- رسالة في استعمال الحساب الهندسي: أربعة مقالات.
- رسالة في تأليف الأعداد.
- رسالة في الكمية المضافة.
- رسالة في النسب الزمنية.
مؤلفاته في الهندسة
- رسالة في الكريات.
- رسالة في أغراض إقليدس.
- رسالة في تقريب وتر الدائرة.
- رسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح أسطوانة مفروضة.
مؤلفاته في الطب
- رسالة في الطب البقراطي.
- رسالة في وجع المعدة والنقرس.
- رسالة في أشفيه السموم.
مؤلفاته في الفيزياء
- رسالة في اختلاف مناظر المرآة.
- رسالة في سعار المرآة.
- رسالة في المد والجزر.
مؤلفاته في الكيمياء
- رسالة في كيمياء العطر.
- رسالة في العطر وأنواعه.
- رسالة في التنبيه على خدع الكيميائيين.
مؤلفاته في التصنيف
- رسالة في أنواع الجواهر الثمينة وغيرها.
- رسالة في أنواع السيوف والحديد.
- رسالة في أنواع الحجارة.
اتفاق العلماء مع الكندي
إجماع العلماء والمؤرخين على مكانة الكندي
- أجمعت المصادر الإسلامية والعربية على تفوق فيلسوف العرب العلمي وفضله على من سبقه.
- كان سابقًا في التأليف ووضع الأسس العلمية في مجالات متعددة كالطب والفلسفة والمنطق والفلك.
- لقّب بـ “فيلسوف العرب” لتميزه وريادته في ميدان الفلسفة.
- تمت الإشادة به كأحد الرواد الذين جسروا الفجوة بين التراث العلمي القديم والعلوم الإسلامية.
رأي ابن النديم في الكندي
وصفه في كتاب “الفهرست” بأنه:
- فاضل دهره وواحد عصره.
- عارف بجميع العلوم القديمة.
- ألّف في مجالات متنوعة ومتعددة.
- استحق لقب “فيلسوف العرب” عن جدارة.
رأي القفطي في الكندي
جاء وصفه في “أخبار الحكماء” كالآتي:
- اشتهر في الدولة الإسلامية بالتبحر في الحكمة اليونانية والفارسية والهندية.
- برع في علم النجوم والعلوم الأخرى.
- يعود نسبه إلى بيت ملوكي، فجده كان أميرًا على الكوفة.
- جده الأشعث بن قيس من الصحابة الكرام، ما يعزز مكانته الدينية والاجتماعية.
رأي ابن أبي أصيبعة في الكندي
ذكره في كتاب “طبقات الأطباء” ووصفه بما يلي:
- من أصل شريف وبصري المنشأ.
- انتقل إلى بغداد ودرس فيها العلوم.
- ألمّ بعدد واسع من العلوم: الطب، الفلسفة، الحساب، المنطق، الموسيقى، الهندسة، علم الأعداد، وعلم النجوم.
- لم يظهر في الإسلام فيلسوف قبله.
- اتبع في منهجه التأليفي أسلوب أرسطو.
- ألّف كتبًا كثيرة في فنون متنوعة.
- خدم الملوك وتقرب منهم بالأدب والعلم.
- ترجم كتبًا فلسفية عديدة، فسهّل فهمها للعرب والمسلمين.
رأي الذهبي في الكندي
ذكره في كتابه “سير أعلام النبلاء” وقال عنه:
- من نسل الأشعث بن قيس، أمير العرب.
- يُلقب بـ “فيلسوف العرب” على نطاق واسع.
- كما نقل عن أبي معشر البلخي قوله: حذاق الترجمة في الإسلام أربعة فقط، منهم: (حنين بن إسحاق-فيلسوف العرب-ثابت بن قرة الحراني-عمر بن الفرخان الطبري).
رأي الشهرستاني في الكندي
في كتابه “الملل والنحل” ذكره ضمن فلاسفة الإسلام المتأخرين، مثل:
- حنين بن إسحاق
- يحيى النحوي
- أبو الفرج المفسر
- أبو سليمان السجزي
- أبو سليمان المقدسي
- ما يدل على إدراجه ضمن نخبة الحكماء والمفكرين في التاريخ الإسلامي.
رأي ابن نباتة المصري في الكندي
أشار إليه في كتاب “سرح العيون” وصرّح بوضوح:
- الكندي هو فيلسوف الإسلام في عصره.
- كانت له شهرة واسعة في العلوم والفلسفة والأدب.
النقد الموجه إلي الكندي
الفهم الخاطئ لأسباب معارضة الفلاسفة
- اعتقد البعض أن الفلاسفة، ومنهم فيلسوف العرب، عورضوا لأنهم ينقلون “علومًا أجنبية”.
- هذا التصور غير دقيق؛ فاعتراض المفكرين الإسلاميين لم يكن على الفلسفة بذاتها.
- بحسب الباحث أوليفر ليمان، فإن علماء الدين لم يرفضوا الفلسفة، بل رفضوا بعض النتائج الفلسفية التي تتعارض مع العقيدة.
اعتراض العلماء على استنتاجات الكندي
- عدد من علماء الإسلام، ومنهم الغزالي، رفضوا بعض استنتاجات فيلسوف العرب التي اعتبروها مخالفة للدين.
- من أبرز هذه الاستنتاجات التي أُخذت عليه:
- القول بخلود الكون مع الله.
- إنكار البعث الجسدي بعد الموت.
- الاعتقاد بأن علم الله يقتصر على الكليات دون الجزئيات.
- الغزالي نفسه كان عالمًا بالفلسفة والمنطق، لكن نقده للفلاسفة جاء نتيجة انحرافاتهم العقدية لا بسبب استخدامهم للعقل.
علاقة الكندي بالخلفاء وأثر السياسة على مكانته
- حظي بتأييد ورعاية من الخليفتين: المأمون والمعتصم بالله، وهما من أنصار فكر المعتزلة.
- في أواخر حياته، تغيّرت الأحوال السياسية مع صعود الخليفة المتوكل على الله:
- مال إلى منهج الأشاعرة وبدأ حملة ضد التيارات الفكرية الأخرى.
- أدى ذلك إلى تراجع مكانة الكندي وتضييق الخناق على الفلاسفة بشكل عام.
موقف الكندي من العقل والدين
- اعتبر أن العقل هو جوهر التقرب إلى الله، وهي فكرة لم يتفق عليها كثير من علماء الدين.
- خالف المعتزلة في بعض المسائل، مثل: الحكم على الصغائر (الذنوب الصغيرة) وأثرها في العقيدة، وطرحه الفلسفي مهد الطريق لجدل واسع بين الفلاسفة وعلماء الكلام، وهو ما تناوله الغزالي بالتفصيل في كتابه “تهافت الفلاسفة”.
وفاة الكندي
- توفي في بغداد وحيدًا عام 259 هـ/873 م في عهد الخليفة المعتمد عن عمرٍ ناهز الـ 68 عامًا.
- بعد وفاته، اندثر الكثير من أعماله الفلسفية، وفقد الكثير منها.
أسئلة شائعة
- من هو الكندي وماذا قدم للحضارة الإسلامية؟
- هو فيلسوف وعالم عربي مسلم من الكوفة، ساهم في ترجمة الفلسفة اليونانية وقدم أبحاثًا مهمة في الطب والفلك والبصريات.
- ما هي أشهر مؤلفات الكندي؟
- من أشهر مؤلفاته: “رسالة في قدر منفعة صناعة الطب”، “رسالة في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة”، و”في فك رسائل التشفير”.
- لماذا يعتبر الكندي رائدًا في علم التشفير؟
- لأنه أول من وصف أساليب تحليل الشفرات باستخدام الإحصاء، وهو ما يُعتبر أساسًا لعلم التشفير الحديث.
الخاتمة
لقد مثل فيلسوف العرب علامة فارقة في التاريخ الفكري الإسلامي، حيث جمع بين الإيمان والعقل، الفلسفة والدين، والعلوم التطبيقية والنظرية في منهج فريد ومميز. وعلى الرغم من الانتقادات التي وُجهت إليه في حياته وبعد وفاته، إلا أن مكانته الفكرية ظلت راسخة، باعتباره رائد الفلسفة الإسلامية وأحد أوائل من سعوا إلى تأصيل المعرفة الفلسفية داخل الإطار الإسلامي.
ما بين مدح المؤرخين ونقد الفقهاء، يبقى للكندي شخصية علمية استثنائية تستحق التأمل والدراسة، فقد أسس لجيل كامل من العلماء الذين ساروا على نهجه، وساهم في نقل علوم الحضارات القديمة إلى العالم الإسلامي، بمنهج علمي دقيق وروح عقلانية رصينة.
لقد كان فيلسوف العرب مثالًا للفيلسوف المسلم الذي لم يرَ في العقل عدوًا للإيمان، بل طريقًا لفهم أعمق للوجود والخالق، وهو ما يجعل إرثه الفكري حيًّا ومؤثرًا حتى يومنا هذا.
المراجع
- بدوي، عبد الرحمن (1965) موسوعة المستشرقين ودور العرب في تكوين الفكر الأوربي، دار العلم للملايين للنشر والتوزيع، بيروت.
- عفيفي، محمد الصادق (2010) تطور الفكر العلمي عند المسلمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر.
- عطية، أحمد عبد الحليم (1991) دراسات في تاريخ العلوم عند العرب، دار الثقافة للنشر والتوزيع.
- مظهر، جلال (1974) حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي، مكتبة الخانجي للنشر والتوزيع.
- الملا، أحمد علي (1981) أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوربية، دار الفكر للنشر والتوزيع.
- حميدان، زهير (1995) أعلام الحضارة العربية في العلوم الإسلامية والتطبيقية، منشورات وزارة الثقافة، دمشق
- غليونجي، بول (1983) سلسلة أعلام العرب الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة أعلام العرب.
- الأهواني، أحمد فؤاد. الكندي فيلسوف العرب. سلسلة أعلام العرب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. القاهرة