هل يمكن أن يُولد الإنسان قويًا وقادرًا، ثم يختار أن يعيش بلا هدف أو عمل؟
في عالم يعج بالفرص والتحديات، تبرز “البطالة” كأحد أخطر المشكلات التي تهدد المجتمعات من الداخل. لكن، كيف نظر الإسلام إلى هذه الظاهرة؟ وهل تركنا دون حلول؟
المقدمة
في عالمٍ تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تظل قيمة العمل في الإسلام من أعظم القيم التي تُمجّد السعي والكسب الحلال، وترفض البطالة والاتكال على الآخرين. فالإسلام لا يرى العمل مجرد وسيلة للرزق، بل يعدّه عبادة وشرفًا ومسؤولية. وفي هذا المقال نستعرض مفهوم العمل والبطالة في الإسلام، مع تفصيل الجوانب الدينية والاجتماعية والاقتصادية لكل منهما.
مفهوم العمل في الإسلام
تعريف العمل في الإسلام
- هو كل نشاط مباح يقوم به الإنسان ابتغاء وجه الله وتحقيقًا للرزق الحلال.
- يشمل العمل الجسدي والعقلي على حد سواء، كالصناعة، الزراعة، التجارة، والوظائف الإدارية والعلمية.
- يُعد وسيلة لبناء الأرض وتحقيق الاستخلاف الذي أمر به الله تعالى.
أهداف العمل في الإسلام
- تحقيق الكفاية الذاتية: عدم الحاجة للآخرين.
- الإسهام في بناء المجتمع: كل عمل نافع يُعد لبنة في صرح الأمة.
- العبادة والطاعة: إذا نُوي به وجه الله وكان حلالًا.
- تربية النفس على الصبر والانضباط.
أهمية العمل في الإسلام
- العمل في القران الكريم
حث القرآن الكريم من خلال سوره وآياته على العمل:
- قال تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله (. (الجمعة: 10)
- قال تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور). (الملك: 15)
- العمل في السنة النبوية
كتب السنة النبوية المطهرة مليئة بالأحاديث الدالة عل الحث على العمل، وترك العجز والكسل، فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم:
- قال ﷺ” ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده “.(البخاري)
- قال ﷺ ” من بات كالآمن طلب الحلال بات مغفوراً له “.(البخاري)
- قال ﷺ: “لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه” [البخاري].
أنواع العمل في الإسلام
- العمل اليدوي: كالزراعة والبناء والصناعة، وهو عمل مبارك كان يمتهنه الأنبياء
- العمل العقلي: كالتدريس، البحث العلمي، القضاء، وغيرها من الوظائف الفكرية.
- العمل الحر والتجارة: قال ﷺ: “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء”.
- العمل الحكومي والخدمي: خدمة الناس من أعظم القُربات إذا أُخلص فيها النية.
أعمال الأنبياء والرسل
وقد أخبر الله تعالى الرسول محمد ﷺ عن أعمال الأنبياء والرسل حيث قال:
إقرأ أيضا:بحث عن الأمن السيبراني , أهميته، أهدافه، وأبعاده في حياتنا الرقمية- النبي داود عليه السلام كان يصنع الدروع، وكان أيضا يصنع الخوص.
- النبي آدم عليه السلام كان حراثا.
- النبي نوح عليه السلام كان نجارا.
- النبي لقمان عليه السلام كان خياطا.
- النبي طالوت عليه السلام كان دباغا.
فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه ويستغنى عن الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ” رواه الشيخان.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم على دريهمات لأهل مكة (ولهذا وجدنا أكابر الأمة من علمائها وفقهائها يمتهنون مختلف المهن الحرة المباحة، كما وجدنا بعض الصحابة الكرام يؤجرون أنفسهم لغيرهم للقيام ببعض الأعمال المباحة الحلال لقاء اجر معلوم)
والجدير بالذكر أن العمال إلى عهد قريب ” كانوا يترقون في كل باب من أبواب هذه الصناعات، وكانت ترقية العامل من عريف إلى معلم تعلن في حفل إسلامي السمات يحضره أساتذة الحرفة ويبدؤوه شيخ الطائفة بإجراء إسلامي هو سؤال الحاضرين قراءة فاتحة الكتاب)، وفي هذا دليل ساطع على أن كل مهنة محترمة مادامت في دائرة الحلال، وأصحابها محترمون كذلك، وهذا هو المنظور الإسلامي الصحيح للعمل.
أثر العمل على الفرد والمجتمع
على الفرد
إقرأ أيضا:القواعد النحوية : أهم أسباب ضعف الطالبات وطرق العلاج الفعالة- تحقيق الاستقلال المالي.
- حفظ الكرامة والابتعاد عن ذلّ السؤال.
- إشغال النفس بما ينفع.
على المجتمع
- تنمية الاقتصاد وتحقيق الاكتفاء.
- انخفاض معدلات الجريمة والانحراف.
- استقرار الأسرة ورفع المستوى المعيشي.
البطالة في الإسلام
تعريف البطالة
- البطالة في المفهوم العام: تعني تعطُّل الفرد عن أداء أي عمل منتج بالرغم من قدرته الجسدية والعقلية على العمل، سواء كان هذا التوقف برغبة منه (بطالة اختيارية) أو بسبب ظروف خارجة عن إرادته (بطالة قهرية).
- البطالة في الإسلام: البطالة لا تُقاس فقط من الناحية الاقتصادية، بل تُعدّ حالة سلبية دينيًا وأخلاقيًا إذا اختار الإنسان العزوف عن العمل بدون مبرر شرعي. فالله تعالى خلق الإنسان للعمل والسعي، وقد قال: “فإذا فَرغتَ فانصَب. وإلى ربك فارغَب.” [الشرح: 7-8]
موقف الإسلام من البطالة
الإسلام ينظر إلى البطالة على أنها حالة منافية للطبيعة البشرية التي فطر الله الناس عليها، إذ أن الأصل في الإنسان أن يسعى ويعمل ويُنتج. وقد جاءت النصوص الشرعية تحذر من الكسل والاتكال على الغير:
- قال ﷺ: “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل” – جمع بين العجز (عدم القدرة) والكسل (عدم الرغبة)، وكلاهما مذمومان.
- نهى الإسلام عن التواكل، أي الاعتماد على الله دون الأخذ بالأسباب والعمل.
- مدح الإسلام العامل الذي يكسب رزقه بيده، ولو كان بسيطًا، كما في الحديث: “لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة حطب فيبيعها، فيكفّ بها وجهه، خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه.” [البخاري]
- القاعدة العامة في الإسلام: لا كرامة لمجتمع يتكاسل أفراده عن العمل، ولا ازدهار لأمة لا تُقدّر قيمة الكدّ والاجتهاد.
أهميه العمل ودوره في بناء المجتمع
أنواع البطالة
- البطالة الاختيارية:
- تحدث عندما يتوفر للفرد القدرة الجسدية والفرص المناسبة للعمل، لكنه يختار بمحض إرادته عدم العمل.
- من أمثلتها: التواكل، الركون إلى المعونة، الاستعلاء على بعض الأعمال.
- الإسلام يُدين هذا النوع من البطالة بشدة، لأنه ينافي التوكل الصحيح، ويجلب الضرر للنفس والمجتمع.
- البطالة القهرية: تنشأ نتيجة ظروف خارجة عن إرادة الفرد، مثل:
- ضعف الاقتصاد العام.
- قلة فرص التوظيف.
- النزاعات أو الكوارث الطبيعية.
- الإسلام يتفهم هذا النوع من البطالة، ويحثّ الدولة والمجتمع على دعم المتضررين وتوفير فرص لهم.
- البطالة الهيكلية:
- تظهر عندما لا تتناسب المهارات التي يمتلكها الأفراد مع متطلبات سوق العمل.
- مثال: طالب درس تخصصًا نظريًا نادرًا لا يوجد له وظائف متاحة.
- الإسلام يدعو إلى تعليم نافع يتناسب مع حاجات الأمة، لذا فإن تطوير التعليم المهني من أهم الوسائل لعلاج هذا النوع.
- البطالة الفكرية:
- تصيب فئة المثقفين والمتعلمين الذين يُستبعدون من المشاركة في صناعة القرار أو التوظيف المناسب.
- أحد أسبابها: إقصاء الكفاءات بسبب الواسطة أو المحسوبية.
- الإسلام يرفض هذا الظلم، ويأمر بأن يُسند الأمر إلى أهله، فقال ﷺ: “إذا وُسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.”
أضرار البطالة
أولًا: على الفرد
- الفراغ النفسي والعقلي: عدم وجود هدف يومي يؤدي إلى التشتت والقلق.
- فقدان الثقة بالنفس: يشعر الفرد أنه عبء على الآخرين.
- التدهور الصحي: الفراغ يؤدي للكسل الجسدي، وما يتبعه من أمراض.
- الانحراف الأخلاقي: البطالة قد تكون بوابة للسرقة، الإدمان، أو التطرف.
- تعطل النمو الشخصي: تتوقف المهارات عن التطور، ويضيع الوقت دون فائدة.
ثانيًا: على المجتمع
- ارتفاع معدلات الجريمة: البطالة من أكبر دوافع السرقة، العنف، والانحرافات.
- ضعف الاقتصاد العام: تقل الإنتاجية، وتزيد نسبة المعالين على الدولة.
- اختلال البنية الاجتماعية: زيادة الطلاق، عزوف عن الزواج، تدهور التعليم.
- انتشار الكراهية الطبقية: يشعر العاطلون بالحقد على الطبقات العاملة أو الثرية.
- ضياع طاقات بشرية هائلة: تتحول الكفاءات إلى عبء بدلاً من أن تكون أداة للبناء.
علاج البطالة في الإسلام
الإسلام لا يكتفي بالتنظير، بل يقدّم حلولًا عملية نابعة من تعاليمه:
- تعليم الحِرَف والمهارات:
- ضرورة إدماج التعليم المهني في المدارس.
- إعادة تأهيل العاطلين لتعلُّم مهن عملية.
- تشجيع التدريب الميداني.
- تنمية المشاريع الصغيرة:
- يمكن استخدام أموال الزكاة والصدقات في تمويل مشروعات صغيرة للعاطلين.
- دعم الدولة للقروض الصغيرة بضمانات مبسطة.
- تطوير التعليم:
- مواءمة المناهج مع متطلبات السوق.
- تعليم التفكير النقدي والابتكار لا الحفظ فقط.
- نشر ثقافة العمل الحر:
- تشجيع الشباب على بدء مشاريعهم، وتقبل فكرة الربح والخسارة.
- إزالة الصورة النمطية التي تحتقر بعض الأعمال اليدوية.
- القدوة العملية:
- تقديم سير الصحابة والعلماء الذين كانوا يعملون بجد رغم علمهم وفضلهم.
- نشر قصص نجاح من الواقع تُلهم الشباب وتزرع فيهم الطموح.
- توجيه الدولة والقطاع الخاص:
- منح الأولوية لتوظيف أبناء البلد.
- إنشاء منصات لربط المهارات بالفرص المتاحة.
أسئلة شائعة
- ما حكم الإسلام في العمل؟
- الإسلام يُوجب السعي في الأرض طلبًا للرزق، ويعد العمل عبادة إذا قُصد به وجه الله.
- هل يوجد حديث يحث على العمل؟
- نعم، مثل: “ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده”.
- ما الأسباب التي تؤدي إلى البطالة؟
- قلة التعليم المهني، الكسل، نقص الفرص، سوء التوزيع السكاني.
- هل الإسلام يرفض العمل اليدوي؟
- أبدًا، بل يرفع من شأنه، ويكفي أن الأنبياء عملوا بأيديهم.
الخاتمة
يُعلّمنا الإسلام أن العمل هو أصل الحضارة، وهو سبب للكرامة والاستقرار. كما يُبين لنا أن البطالة ليست مجرد حالة اقتصادية، بل هي خطر اجتماعي وديني. ومن هنا، يجب أن نحارب البطالة بالعلم، والتدريب، والتعاون المجتمعي، مع التوكل على الله وبذل الأسباب.
